وزارة للسعادة في الحكومة الجديدة.. وهذا دورها!
المصدر: الديار
الكاتب: ندى عبد الرزاق
كأن اللبنانيين قد كُتب عليهم أن يكونوا في مواجهة دائمة مع المآسي، وكأن هذا الوطن لا يعرف الاستقرار إلا ليودّعَه سريعا، قبل أن يداهمه زلزال جديد يهز كيانه ويعيده إلى دوامة القلق والتعب. فمنذ عقود، عانى لبنان من التدهور، ثم اجتاحت شوارعه أزمات سياسية واقتصادية متتالية، كان آخرها الانهيار المالي غير المسبوق، الذي أفقر معظم أبنائه وتركهم يصارعون من اجل العيش بكرامة. وكأن ذلك لم يكن كافيا، فقد فُجع اللبنانيون بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، الذي دمّر نصف العاصمة، وحوّلها إلى ساحة حرب من دون حرب، بينما لا يزال الضحايا ينتظرون العدالة وسط واقع سياسي يزيد الطين بلّة.
ثم جاءت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي حصدت أرواح مئات الشهداء وأصابت الآلاف، ناهيكم بدمار واسع وتهجير قسري لآلاف العائلات، التي وجدت نفسها مجددا تائهة بين المنازل المدمرة والحدود المشتعلة. وعلى وقع هذه الكوارث، كيف يمكن الحديث عن السعادة؟ كيف يمكن للبناني، الذي عاش القهر بأشكاله كافة، أن يصدق أن هناك من يسعى اليوم إلى تحسين نفسيته ورفع مستوى رفاهيته؟
وسط هذا التشاؤم، يبدو أن الدولة اللبنانية أو على الأقل بعض أركانها قد قرروا أخيرا أن يلتفتوا إلى الوجه الآخر للحياة، إلى ما هو أبعد من الأمن والاقتصاد والسياسة، إلى حيث يكمن الاستقرار النفسي والمعنوي للناس. فوسط التحولات السياسية الأخيرة، وبعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية قبل اسابيع، وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة، بدأت تتسرب معلومات عن نية الحكومة استحداث منصب غير مألوف في لبنان، وربما في العالم العربي ككل: “وزير للسعادة”!
المفارقة هنا أن الحديث عن تعيين وزير للسعادة يأتي في بلد يُعد من بين الأكثر بؤسا في العالم وفق المؤشرات الدولية. بلد هاجر منه مئات الآلاف بحثًا عن حياة كريمة، وانهارت عملته إلى الحضيض، وتحولت فيه الكهرباء والمياه إلى رفاهية. فهل يمكن لمثل هذا القرار أن يكون خطوة جدية نحو التغيير؟ أم أنه مجرد ديكور سياسي لمحاولة تجميل المشهد القاتم؟
علما انه في دول أخرى، مثل الإمارات، جرى استحداث منصب وزير للسعادة كجزء من رؤية تنموية واضحة تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز مؤشرات الرضا العام، لكن في لبنان، حيث تتراكم الأزمات كما تتكدس النفايات في الشوارع، يصبح السؤال أكثر تشابكاً: هل يحتاج اللبنانيون إلى وزير للسعادة أم إلى علاج جذري لمحنهم؟
مع ذلك، فإن مجرد طرح الفكرة قد يكون دلالة على بداية وعي جديد بأن الإنسان ليس مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل هو كائن يستوجب أكثر من الغذاء والسكن والأمان المادي، يتطلب شعورا بالكرامة؛ وإلى إحساس بأنه ينتمي إلى وطن يحترم معاناته ويسعى لمداواتها. فهل يكون هذا التعيين خطوة رمزية نحو إعادة الاعتبار إلى الإنسان اللبناني؟ أم أنه سيكون كغيره من العناوين الكبيرة التي لا تحمل في طياتها إلا وهماً جديدا؟
خطوة ايجابية
وفي سياق متصل، يرى المحللون أن تعيين وزير للسعادة يعكس التزام الدولة بتحسين جودة حياة المواطنين، ليس فقط من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بل أيضا عبر التركيز على الصحة النفسية والرفاهية العامة. هذا المنصب، الذي استحدثته بعض الدول المتقدمة، يهدف إلى وضع سياسات تعزز الرضا العام والسعادة بين السكان، من خلال برامج تدعم الصحة النفسية، وتعزز التفاعل الاجتماعي، وتوفر بيئة معيشية إيجابية.
من جانبها، توضح نقيبة الاختصاصيين في العمل الاجتماعي، الدكتورة ناديا بدران، لـ “الديار” أن فكرة إنشاء وزارة للسعادة في لبنان تطرح العديد من التساؤلات حول دورها الفعلي وإمكان تحقيق أهدافها، مشيرةً إلى أن هناك بالفعل وزارات مماثلة في بعض الدول، ومنها دول عربية، لكنها غير مطلعة بشكل دقيق على وظائفها والخدمات التي تقدمها”.
وتشير إلى أن وزارة الصحة هي الجهة المخولة بمعالجة قضايا العافية النفسية عن طريق وضع خطط وبروتوكولات تهدف إلى تطوير برامج متخصصة على مستويات متعددة، سواء عبر الدعم النفسي الاجتماعي، أو من خلال البرامج التي يقدمها اختصاصيون في الطب النفسي والعلاج النفسي. كما تلفت الى أن الكوادر العاملة في هذا المجال تنقسم إلى متخصصة في العافية النفسية وأخرى غير متخصصة بشكل مباشر. ومع ذلك، لا تزال الصحة النفسية محصورة ضمن هذا الإطار المؤسسي القائم”.
أما في ما يتعلق بهذه الوزارة، فتتساءل بدران عن خطتها الاستراتيجية وآلية عملها، مشبهةً الأمر بوزارة الشباب والرياضة، التي تُعنى بتنظيم الأنشطة الشبابية، الأندية، والسياسات الثقافية المرتبطة بهذه الفئة، موضحة أنه لا يوجد مفهوم محدد لهذه الجهة يميزها عن غيرها، لا سيما أن هناك هيئات حكومية قائمة تعنى بالعافية النفسية، معتبرة ان مفهوم السعادة ذاتي يختلف باختلاف الأفراد، في حين أن العافية النفسية يمكن قياسها وفق مؤشرات موضوعية. لذا، لا أعلم مدى جدية هذا الطرح اليوم، ومدى الحاجة الفعلية إليه في ظل الأولويات الحالية”.
وتضيف، “لست مطلعة بشكل دقيق على وزارة السعادة في الدول العربية، لكنني أعتقد أنها موجودة في الإمارات، وسبق أن سمعت بها، إلا أنني لا أعرف تماما الدور الذي تؤديه أو طبيعة المهام التي تضطلع بها. لذلك، من المهم الاطلاع على وظيفتها، ومعرفة ما إذا كان يمكن دمج مهامها أو استراتيجيات عملها ضمن الوزارات الأخرى. فوزارة من هذا النوع يُفترض أن تكون مدمجة ضمن وزارات مثل التربية، الصحة، الشباب والرياضة، والشؤون الاجتماعية التي تعنى بفئات تعيش أوضاعا اجتماعية خاصة، ما يسهم في إيصال هذه المفاهيم إلى عامة الناس”.
وتتابع “ربما استغربتُ طرح الفكرة لأنني غير مطلعة على خطتها أو رؤيتها، ولكن من جهة أخرى، لا أعرف مدى قدرة الدولة، من حيث الموازنة، على استحداث دوائر جديدة، في حين أن هذه الأدوار يمكن دمجها ضمن ادارات قائمة. وهذه المسألة تتطلب دراسة مالية دقيقة. وتختم، اما بالنسبة لليوم الوطني للعمل الاجتماعي، الذي يُصادف الأول من شباط من كل عام، فتوجّه بدران التهنئة إلى جميع الاختصاصيين في هذا المجال، مشيدةً بدورهم الحيوي في دعم الأفراد والمجتمع”.
ما مفهوم حقيبة السعادة؟
في ضوء هذه الأجواء الملبدة والنظرة غير الواضحة حول دور هذه الهيئة، في حال تم استحداثها ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، فإن مصدراً رفيع المستوى يعمل في الشأن العام يدعم هذه الخطوة ويرى فيها مبادرة إيجابية وممتازة، انطلاقًا من حاجة اللبنانيين إلى الرفاهية، وكونهم يستحقونها. كما أن اللبنانيين، وفقاً لآخر الإحصاءات، يُصنَّفون من بين الشعوب الأكثر ذكاءً عالمياً، إذ احتلوا مراكز متقدمة ضمن الدول الخمس الأولى. وبالتالي، فإن حرص المسؤولين على تعزيز رفاهية هذا الشعب يعد أمراً بالغ الأهمية، خاصةً أنهم أثبتوا قدرتهم على النهوض من الأزمات وصناعة المعجزات رغم كل التحديات.”
ويقول لـ “الديار”: “وزارة السعادة، كمفهوم، تهدف إلى تعزيز رخاء المواطنين وتحسين جودة حياتهم من خلال سياسات حكومية شاملة تركز على الصحة النفسية، والتنمية الاجتماعية، والبيئة المعيشية. وقد طُبِّقت هذه الفكرة في دول مثل الإمارات، حيث أُنشئت وزارة مختصة تعمل على تنسيق الجهود بين مختلف القطاعات لضمان تحقيق الرفاهية والسعادة للمجتمع”.
ويؤكد ان “فكرة إنشاء حقيبة مستقلة للسعادة في لبنان تثير استفسارات حول ضرورتها، خاصة أن “الصحة” مختصة بالسلامة النفسية للبنانيين، إلى جانب “الشؤون الاجتماعية” التي تركز على الفئات الأكثر هشاشة. في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، وما تبعها من أزمات نفسية، وانتشار حالات الاكتئاب والانتحار، قد تبدو هذه الوزارة نوعًا من الترف أو حتى محاولة سياسية لإعطاء أمل غير واقعي في ظل غياب السياسات الفعلية لتحسين الواقع المعيشي”.
ويشير الى انه “لكن في المقابل، إذا كانت وزارة السعادة ستُصمم بشكل جاد، بحيث تعمل على دعم الصحة النفسية عبر برامج حقيقية تشمل توفير مراكز دعم، وتعزيز ثقافة الرفاهية، والحد من الضغوط المجتمعية، فقد يكون لها دور إيجابي. ومع ذلك، تبقى الأولوية في لبنان اليوم لإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، لأن أي حديث عن السعادة في غياب الأمن المعيشي يبقى مجرد شعارات”.
ويشدد بعد الانتقادات التي طالت هذه الوزارة على ان “هناك أمثلة على كيفية تنسيق الجهود بينها وبين القطاعات لتحقيق مفهوم السعادة والرفاهية في بعض الدول التي اعتمدت هذا النهج. على سبيل المثال، في الإمارات، حيث توجد “وزارة السعادة”، يتم التنسيق بين القطاعات المختلفة لضمان تحقيق جودة حياة أفضل للمواطنين من خلال:
1. الصحة النفسية والتعليم: التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم لإدخال برامج تعزز الصحة النفسية في المدارس، مثل تخصيص حصص للرفاهية النفسية، وتدريب المعلمين على أساليب دعم الطلاب معنويا، وتوفير مستشارين نفسيين في المدارس.
2. التخطيط العمراني وجودة الحياة: التعاون بين وزارة السعادة ووزارة التخطيط العمراني والبلديات لتطوير مساحات خضراء، وإنشاء بيئات صديقة للعيش مثل الحدائق العامة والمرافق التي تشجع على أسلوب حياة صحي.
3. الاقتصاد وسوق العمل: التضافر بين وزارة السعادة والاقتصاد والعمل لضمان بيئات عمل مريحة، وإطلاق مبادرات لدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، مثل تقليل ساعات العمل لبعض الفئات، وتشجيع مرونة الدوام، وترسيخ ثقافة العمل الإيجابي.
4. الإعلام والثقافة: العمل مع وزارات الإعلام والثقافة على نشر محتوى يعزز الإيجابية، وتنظيم حملات توعوية عن الصحة النفسية، وتوطيد الهوية الثقافية الوطنية كأحد عناصر الاستقرار النفسي والاجتماعي.
5. السياسات الحكومية العامة: تطوير مؤشرات لقياس السعادة ودمجها في تقييم الأداء الحكومي، بحيث لا يكون التركيز فقط على النمو الاقتصادي، بل أيضا على جودة الحياة ومستوى رضا المواطنين عن الخدمات المقدمة.
ويختتم بالإشارة الى “إن تطبيق نموذج مماثل في لبنان سيكون معقدا نظرا للأزمات المالية والسياسية، مما يجعل الأولوية اليوم لمعالجة المشكلات الأساسية مثل الاقتصاد، الصحة، والتعليم، قبل التفكير في انشاء وزارة مستقلة للسعادة. ومع ذلك، يمكن تبني بعض هذه المبادرات داخل الوزارات القائمة لتحسين الصحة النفسية ومستوى الحياة تدريجيا”.