خاص MDM News

إعلان حالة طوارئ أسرية: دعوة للتأمل قبل اتخاذ قرار الطلاق

بقلم ناهية أبو ابراهيم

لا أكتب اليوم من خلف المكاتب أو من صفحات الكتب، بل من قلب الواقع الذي لمسني عن قرب، من حكايات حيّة عايشتها يومًا بعد يوم داخل أروقة محكمة الأحوال الشخصية. هناك، حيث تختلط المشاعر بالقوانين، وتتحول الكلمات إلى أحكام، عشت تفاصيل الانهيارات الصامتة، والقرارات الصعبة التي تتخذ بين شريكين لم يعودا كذلك.

الطلاق لم يعد حدثًا نادرًا أو استثنائيًا في مجتمعاتنا، بل أصبح ظاهرة متكررة تلامس أبواب البيوت في كل طبقات المجتمع. لم يعد مجرد نهاية علاقة، بل بداية لسلسلة من التحديات النفسية والاجتماعية التي تطال الأزواج، وتمتد بعمق إلى الأبناء، الذين غالبًا ما يتحملون الآثار الأعمق، حتى دون أن يُسألوا أو يُفهَموا.

أسباب الطلاق كثيرة ومتشعّبة:

هناك أسباب اقتصادية وضغوط معيشية، وأسباب نفسية لم تُعالج، أو آلام دفينة لم يُعترف بها، وهناك تدخلات خارجية من الأهل والمحيط، واختلافات في القيم والتوقعات، بل وحتى وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً في تشويه صورة العلاقة الزوجية، وزادت المقارنات والضغوط.

لكن رغم كل هذه الأسباب، السبب الجوهري الذي أراه حاضراً في معظم القصص هو:

غياب الوعي، وضعف الشعور بالمسؤولية.

الزواج ليس حلاً سحريًا للوحدة أو للهروب من الألم، وليس مجرد مرحلة ننتقل إليها، بل قرار عميق يتطلب نضجاً واستعدادًا حقيقيًا.

حين نتزوج، لا يكفي أن نحب، بل يجب أن نكون مستعدين للعطاء، للتفاهم، للعمل على العلاقة، أن نكون واضحين مع أنفسنا، ونتحمّل نتائج قراراتنا.

وإذا واجهتنا الصعوبات، فلا عيب في طلب المساعدة، ولا ضعف في اللجوء إلى أهل الاختصاص:

مستشارون، معالجين نفسيين، مدرّبي علاقات… موجودين ليمدّوا لنا يد العون حين تضيق بنا السبل.

أحياناً يكون الجهد من طرف واحد، وهذا لا يكفي.

العلاقة لا تنجح إلا إذا كان هناك التزام مشترك، واستعداد حقيقي من الطرفين لبذل الجهد، والتطور، وتحمّل المسؤولية والإلتزام.

وفي حال وصلنا إلى قرار الطلاق، فلنكن راقين في انفصالنا كما كنا نحلم أن نكون راقين في ارتباطنا.

الطلاق لا يعني القطيعة أو العداء، بل قد يكون أحيانًا بابًا لسلام داخلي…

ولكن يجب أن يتم باحترام، وهدوء، ووعي، خاصة إذا كان هناك أطفال.

الأطفال ليسوا أطرافًا في الصراع، ولا يجوز أن نحمّلهم نتائج خلافاتنا أو نستخدمهم كوسيلة لإيذاء الشريك.

هم أمانة… ومشاعرهم لا تُرمم بسهولة.

التشهير، والتجريح، واستعمال الأطفال كأدوات في النزاع، يترك جروحًا نفسية قد لا تُشفى بسهولة، فقد أصبحنا آباء وأمهات، ولم نعد مسؤولين فقط عن أنفسنا.

ومن المهم أيضًا أن ننتبه لنمط قد نكرره دون وعي، فبعض الأشخاص ينتقلون من علاقة إلى أخرى، من زواج إلى طلاق ثم إلى زواج جديد، وفي كل مرة يُلقون اللوم على الشريك أو على مؤسسة الزواج ذاتها.

لكن الحقيقة أن المشكلة إن تكررت، لا بد من التوقف والتأمل:

هل حملنا الجرح معنا؟ هل نبحث في الخارج عما يجب أن نواجهه في الداخل؟

من لا يواجه ألمه الداخلي، ينقله معه من علاقة لأخرى دون أن يشعر.

لهذا، دعوتي اليوم ليست للتحذير، بل للتأمل والتفكير.

كل علاقة قابلة للنمو، إذا وُجد فيها الوعي، والنية الصادقة، والرغبة الحقيقية في التغيير.

وفي النهاية…

الزواج ليس نهاية الحريّة، بل بدايتها الحقيقية حين نجد من نكمل معه الطريق بإرادتنا.

هو رحلة فيها تعب، نعم، لكنها أيضًا مليئة بالمودّة، والرحمة، والسكينة.

فالحب الناضج لا يُنهي الخلافات، لكنه يمنحنا القلب الذي يحتملها، والعقل الذي يحلّها.

والشريك الحقيقي ليس من لا يُخطئ، بل من يُحبك رغم الخطأ، ويختارك كل يوم من جديد.

دعوة أخيرة…

رغم كل ما سبق، لا تفقدوا إيمانكم بالزواج.

لا تجعلوا من تجربة مؤلمة حاجزًا بينكم وبين فرصة جديدة للمحبّة والمشاركة.

فالزواج لا يزال من أجمل الروابط الإنسانية، حين يُبنى على الوعي، ويُروى بالمسؤولية، ويُصان بالرحمة.

ابحثوا عن الشريك الذي يَفهمكم، لا يُكملكم، الذي يدرك أن العلاقة ليست مثالية، لكنها صادقة.

ولا تخافوا من المحاولة من جديد، عندما تكونوا قد عدتم إلى أنفسكم أولًا، بسلام داخلي، واستعداد حقيقي للعطاء.

الزواج ليس حلًا سحريًا… لكنه خيارٌ جميل حين نختاره عن وعي.

ولا يزال في هذا العالم متسعٌ للحب، وفي القلوب أماكن للدفء، وفي العلاقات فرص جديدة للسلام.

مع المحبة،

ناهية أبو ابراهيم
مدربة معتمدة ومدربة علاقات زوجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى