دريان : لا تنمية بفوضى تشريعية ولا باستباحة الأقوياء حقوق الشعوبِ الكادحة
![](https://mdmnews.org/wp-content/uploads/2022/06/Doc-P-966807-637920985124074055-780x470.webp)
افتتح مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان المؤتمر العلمي الدولي بعنوان: “دور التنمية المستدامة في إعمار وبناء المجتمعات – سبل تفعيلها وتطبيقها من منظور أخلاقي وإنساني” الذي اقيم في قاعة مؤتمرات مؤسسات أزهر البقاع، في حضور شخصيات سياسية ودينية وفكرية وعلمية وعسكريةواجماعية وتربوية.
وقال المفتي دريان: “يسعدني أن أكونَ بينكم اليوم مع هذا الحضور الراقي والمميز، المشارك في هذا المؤتمر المبارك في افتتاحيته وفعالياته” .
وأضاف:”عرفت التنمية المستدامة بأنها : الأعمال التي تهْدف إلى استثمار الموارد البيئية ، بالقدر الذي يحقق التنمية ويحد من التَلوث ، ويصون الموارد الطبيعية ويطورها ، بدلا من استنزافها ومحاولةِ السيطرةِ عليها . وهي تنمية تراعي حق الأجيال القَادمة في الثرواتِ الطبيعيةِ للمجالِ الحيويِّ لكوكبِ الأرض ، كما أنها تَضَعُ الاحتياجاتِ الأساسيةَ للإنسانِ في المَقامِ الأوَّل ، فأولويَاتُها هي تلبيةُ احتياجاتِ الإنسانِ من الغِذاءِ والمَسْكنِ والمَلْبَسِ ، وحق العمل والتعليم ، والحصول على الخدمات الصحية ، وكل ما يتصل بتحسين نوعيةِ حياتِه الماديةِ والاجتماعية . وبما يضمنُ حقوقَ الأجيالِ المُقبلةِ في المواردِ البيئية .وتتمثل أهداف التنمية المستدامةِ في تحسين ظروف المعيشةِ لجميع سكان العَالم ، وتوفير أسباب الرفاهية والصحةِ والاستقرارِ لكل فرد.
وتابع: “تقوم التنمية على ثلاثةِ عناصرَ أساسية هي : الاقتصادُ والمجتمعُ والبيئة ، وهي عناصرُ مرتبطةٌ ببعضها في نسيجٍ مُتَشَابكٍ ، إذ يقومُ كلٌّ منها على الآخرِ ويُكَمِّلُه ، ولا مناص من ضرورة تحقيق التوافق والانسجام بينها لإنجاح عملية التنمية . فإن مفهوم التنميةِ ليسَ بجديدٍ على الإسلامِ والمسلمين. فقدْ حَفِلَ القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ المطهرَةِ بالعديدِ من النصوصِ التي تُمثِّلُ الركائزَ الأساسيةَ للتنميةِ من منظورٍ إسلامي ، وتضعُ الضَوابطَ التي تَحْكُمُ علاقةَ الإنسانِ بالبيئة – بل وبالأرضِ والكونِ كلِّهِ – من أجلِ ضَمَانِ اسـتمراريتِها صالحةً للحياةِ إلى أنْ يأتي أمرُ الله .
واعتبر دريان ان” مفهوم التنميةِ في الإسلام ينطلقُ من مبدأ تسخيرِ الكونِ للإنسان ، ليعْمُرَ الأرضَ وُفْقَ مَبَادئِ الحكمةِ الإلهيةِ بما يُحَقِّقُ الخِلافةَ في الأرضِ، مع الحفاظِ على حُسْنِ أداءِ الأمانةِ فيها ، وهو مفهومٌ شاملٌ لنواحي التَّعْمِيرِ في الحياة ِكافة ، وبالتالي فهو يقُومُ على بُعْدَين أساسيين يضمنان تنميةً مستدامةً في الدنيا والآخرة :
أولاً: البعدُ المعنويُ الإنساني : ويركِّزُ على بناءِ الإنسانِ وتنميتِه ذَاتياً ، وذلك بتربيتِه دينياً وروحياً وخلقياً وقِيَمِيَّاً ليقومَ بالدَورِ المَنُوطِ به في عبادةِ الله ، ونشرِ القيمِ والأخلاقِ التي هي جوهرُ الدينِ الحنيف ، فإذا أُهْمِلَ هذا البُعْدُ في مشروعاتِ التنمية ، فإنَّ ذلكَ يُؤَدِّي إلى الانهيارِ الحضاريِّ ، وقد نجحت بعضُ الدولِ في تحقيقِ التنميةِ الماديةِ إلى حدٍ كبير ، ولكنَّها أهملت الشُّقَ الروحي والمعنوي والأخلاقي فيها ، فكـانت النتيجةُ ما نرى من تَفَشِّي الجريمة ، وتَفَكُّكِ الأسرة ، والانْحِلالِ الأَخْلاقِي ، ومختلفِ الأمراضِ والاضطراباتِ النفسية . فلا يمكنُ أن نؤسِسَ لحضارةٍ إنسانيةٍ ، وارفةِ الظِّلالِ إلا بإعْمَارِ وتزكيةِ الجانبِ الخُلقي والإنساني فيها ، وليس بالعِمَارةِ والتنميةِ الحِسيّة فقط .
وتابع:” اما البعد المَادِي الَعْمِيري فهو تَعْمِيرُ الأرضِ في مختلفِ المَجَالات، واستغلالُ كُلِّ الإمكاناتِ الماديةِ وفقَ مبدأِ الخِلافَةِ ، بما يَكْفَلُ الحياةَ الطيبةَ للإنسان ، والتي هيَ وسطٌ بين العَوَزِ والتَّرَف ، معِ الحِفاظِ على ما سُخِّرَ له بما يُوَافِقُ مبدأَ الأمانةِ التي حمَلَها ، وتحقيقِ حدِّ الكفايةِ لأفرادِ المجتمع .
وقال:” أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين هذه المهامِ الثلاث ، وتداخلاً أيضاً . فعبادة الله هي من الخلافةِ في الأرض ومن عَمَارتِهَا ، والخِلافَةُ هي من عبادةِ اللهِ ، ومن عَمَارةِ الأرضِ كذلك .
والمولى عندما طلبَ من الإنسانِ أن يَعْمُرَ الأرضَ لم يتركْهُ تَائِهاً ، بلْ وَفِّرَ له أهمَّ المُقَوِّمَاتِ ، وتتمثَّلُ في أمرين :
الأمرُ الأولُ : القُدرةُ العقليةُ والجسديةُ ، التي تجعلُهُ قَادِرَاً على الاستفادةِ من هذه الثََرَواتِ ، وهذه الإمْكَانَات .
الأمرُ الثاني: الإمكاناتُ والوسائلُ التي يتمكنُ بها من عَمَارةِ الأرض “.
واشار الى ، أن عولمةَ القيمِ اتجهتْ نحوَ فَرْضِ أحاديةٍ قي مجالِ حقوقِ الإنسان ، وفرضِ معاييرَ معينة ، لا تراعي التعدديةَ الثقافيةَ والدينيةَ في العَالم ، فإلغاءُ ثنائيةِ الذَّكرِ والأنثى تحت مِظَلَّة ِالنوعِ الاجتماعي ، وإنكارُ التَمايزِ الفطري في الأدوارِ بينَ الجنسين ، ونشرُ ثقافةِ الفوضى الجنسية ، وتعددُ هياكلِ الأسرة ، وتشريعُ الشذوذِ الجنسي وحمايتِه ، وتشريعُ الزنى والإجهاضِ باسمِ الجنسِ الآمن ، وإطلاقُ مصطلحِ العُنْفِ على كلِّ ما يُخَالفُ مضمونَ هذه المفاهيم ، كلُّ ذلكَ من شأنِهِ أن يجرَّدَ الخِطَطَ الدوليةَ من حِيَادِهَا، بعدَ تفريطِها بحقِّ الشعوبِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في العَالم ، من الاعتراضِ على إكْرَاهَاتِها التشريعية .
وختم بالقول “إننا ومن خلالِ هذا المؤتمرِ الكريمِ ، ندعو الجميعَ إلى وضعِ الأمورِ في نصابِها الشرعي والحقوقي السليم ، فلا تنميةَ بفوضى تشريعية ، ولا تنميةَ بفوضى أخلاقية ، ولا تنميةَ بفوضى أسرية ، ولا تنميةَ باستباحةِ الأقوياءِ في نفوذِهم حقوقَ الشعوبِ الكادِحةِ ، والاستيلاءِ على مواردِها الطبيعية .
لأننا سنكونُ بالطبع ، أمامَ كوارثَ مستدامة “.