خاص MDM News

حين تتحوّل التوقعات إلى عبء: كيف نخسر الحب باسم الحب؟

بقلم ناهية أبو ابراهيم

في زمنٍ تُصوَّر فيه العلاقات على أنها سِيمفونية من التفاهم التلقائي، والاحتواء الفوري، والفِطنة الشعورية الخارقة، صار الحب الحقيقي يختنق تحت ركام من التوقعات اللاواقعية. نبحث عن شريكٍ يقرأنا دون أن نتكلم، يُرضينا دون أن نطلب، ويُداوي جروحنا التي لم نُخبره حتى بوجودها. وهكذا، شيئًا فشيئًا، يتحوّل الحب من مساحة دفء إلى حقل ألغام، نزرعه بأنفسنا، ثم نتفاجأ حين ينفجر.

التوقعات: الوجه الآخر للخيبة
في علم النفس، تُعرَّف التوقعات غير الواقعية بأنها تلك الصورة المثالية التي نرسمها في مخيلتنا للآخر، ثم ننتظر أن يُجسّدها كما هي، دون نقص أو تفاوض. والمشكلة ليست في الحلم بحد ذاته، بل في الإصرار على أن يتحقق كما تخيلناه، لا كما يمكن للواقع أن يمنحه.
نحن لا نقع فقط في حب شخص بعينه، بل نقع أحيانًا في حب “تصور” صنعناه عنه. نحب صورته في أذهاننا، لا هو كما هو. نحمّله مهمة ترميم ماضينا، وإثبات جدارتنا، وتسكين احتياجات لم تُلبَّ في طفولتنا. وفوق ذلك، نطالبه بأن يفهم كل هذا دون أن نقول شيئًا.

الخذلان: هل يأتي من الآخر أم منّا؟
حين لا يتحقق ما تخيّلناه، نشعر بالخدش، بالخيانة، بالخذلان. لكن ما يُكسر فينا ليس الواقع، بل الصورة التي صنعناها. الطرف الآخر لم يخذلك لأنه سيء، بل لأنك منحته دورًا لم يكن مؤهلاً له. وتصرّفت معه وكأنه “نص داخلي” تعرفه مسبقًا، لا إنسان مستقل بذاته، بحدوده، بتاريخه المختلف عنك تمامًا.

الحب الواعي: البديل الأكثر نضجًا
تُظهر دراسات نفسية عديدة أن العلاقات الأكثر صحة ليست تلك التي “لا تُخطئ”، بل تلك التي تحتمل الخطأ وتتجاوزه. العلاقات التي تُبنى على وعي ذاتي، واتفاقات واضحة، وتوقعات واقعية، تكون أكثر استقرارًا على المدى البعيد.
الحب الناضج لا يطلب من الآخر أن يكون كاملاً. بل يطلب أن يكون صادقًا، مستعدًا، راغبًا في التعلم والتطور. وهو لا يُبنى على التخيّل، بل على الحوار. لا على التنبؤ، بل على الشجاعة في السؤال والوضوح في الجواب.

العلاقة الحقيقية: ليست قصيدة، بل حوار يومي
نحن لا نحتاج إلى شريكٍ يعرف ما نريده دون أن نقول، بل إلى علاقة تسمح لنا أن نقول دون خوف. نحتاج إلى مساحة مشتركة نُخطئ فيها، ونتعلّم. نبني فيها، ونُرمّم. لا أن نعيش كأبطال فيلم نُعيد مشهدًا محفوظًا من رومانسية هوليوودية زائفة.
الحب الحقيقي ليس صدى توقعاتنا، بل مرآة وعينا.

الصورة هي من تخون، لا الشخص
كثيرًا ما نخسر علاقة عميقة لا لأن الآخر لم يكن مناسبًا، بل لأننا أردناه شخصًا آخر. طالبناه بأن يلبس قناعًا صنعناه له، وأن يرقى إلى مرتبة لم يطلبها يومًا.
الحب لا يعيش في الخيال… بل يُولد من الحقيقة، ويكبر في حضن الصدق، ويتنفس حين نُزيح عنه عبء الكمال.
فالحب لا ينجو بالحدس، بل بالوعي.
ولا يستمر بالصمت، بل بالحوار.
ولا يزدهر بالضغط، بل بالرحمة.
والأهم: لا ينجو من التوقعات… إلا حين نكفّ عن فرضها.

بقلم ناهية أبو ابراهيم
مدربة معتمدة ومدربة علاقات زوجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى