لبنان

بيار شمعون… عُذراً “بابا”

كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:

ودَّع لبنان منذ أيّامٍ الممثِّل بيار شمعون الذي غادر على غفلةٍ من أمام الكاميرا ومن خلف ستارة المسرح والحياة، فضجّت صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بلحظاته الأخيرة التي وثِّقَت في منشورٍ كَشَف عن “همّه الكبير” الذي كان بكلّ بساطة “الجرصة” حين يحين موعد الحساب في المُستشفى.

أضحَكَ بيار شمعون الكبار والصّغار بأعماله وبشكله المحبَّب و”القريب عالقلب”، لكنّ عمله كفنّان في لبنان لم يؤمِّن له غلّة تقيه شرّ ما تحمله الظروف والأيام في بلدٍ بات همّ كلّ مواطن فيه ألا يرحل “مبهدل”، وألا يكبّد أفراد عائلته أموالهم ومدخّراتهم مقابل علاجٍ في مستشفى أو وصفة “أبديّة” للائحة طويلة من الأدوية.

حال بيار، هي حال كلّ مريض سرطان في لبنان بات يتمنّى أن يلفظ نفسه الأخير ليرتاح من عذابه الجسدي ومن آلامه النفسيّة التي يشعر بها أمام الحمل الكبير لكلّ فرد من أفراد عائلته في مهمة البحث عن أدويته المفقودة وفي عناء تأمين ثمنها الذي لا يتقبّله عقلٌ ومنطق.
حال بيار، هي حال كلّ مريض “سكّري”، قرّر من تلقاء نفسه أن يوفّر في شرائح الاختبار، والتي هي أوراق صغيرة تُستعمل مرة واحدة لمعرفة نتيجة الفحص لأن أسعارها أصبحت خيالية، مُعرّضاً بذلك حياته للخطر.
حال بيار، هي حال كلّ كهل أو مسنّ بات يقسُم حبة الدواء الى نصفين، ويُبدّل في العيارات لكي يمدّد علاجه لأيام ويوفّر نصف الفاتورة في الصيدلية.
حال بيار، هي حال كلّ أبٍ في كلّ منزل في لبنان يتردّد في أن يخبر زوجته وأولاده عمّا يُعاني منه، خوفاً من الأسوأ، ولكي لا يُضطرّ الى دفع ما دخّرته العائلة من مال، إذا توفّر، في صناديق المُستشفيات، على قاعدة أنّ الطعام وحاجات العائلة “أبدى”.

عذراً “بابا” بيار، كلمةٌ أقولها عن بناتك الثلاث، لأنه لو تسنى لهنّ الهبوب إليك، لكُنّ رَفَضن أن تتحمّل أوجاعك بعزّة نفس وكبرياء، لكُنّ أمنّن ملايين العالم ليرونك سليماً تضحك في سريرك الأبيض في “أغلى” مستشفى في لبنان.
عذراً “بابا” بيار، وكلّ أبٍ وأمّ في لبنان يتألَّمان بصمت أمام أولادهما، بينما يُجاهر حكّامنا بإنجازاتهم وخُططهم وحرصهم على صحّة وسلامة ومستقبل كلّ لبناني.
عذراً لأنّنا مهما كتبنا ورفعنا الصّوت، لم نُغيّر حتى اليوم ذرّة في ضمائر المسؤولين الفاسدين والسفّاحين، فماذا بنا نفعل بعد؟ وبأيّ كلمات نتوجّه إليهم؟

رحل بيار بصمتٍ خوفاً من الجرصة وجردة الحساب، فمتى يحين موعد حساب من يقتل أجساد وأرواح من نحبّ ألف مرّة في اليوم؟
MTV

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى