
بقلم الدكتور نضال العنداري
سيرة رجلٍ حوّل العطاء إرثًا
من بلدة العبادية في قلب قضاء بعبدا، حيث تتناغم جبال لبنان مع قصص الإنسانية، وتتجذر قيم التضامن في تراب بلداته، يتردد اسم الشيخ نزار أبو جابر كصرحٍ من صروح العطاء، ورمزٍ يُحتَذى به في بلدة العبادية وعموم المنطقة. لم يكن كرمه مجرد سمة شخصية عابرة، بل تحول إلى إرثٍ تنمويٍ ملموس، نما عبر عقودٍ من العمل الدؤوب، فصار جسرًا للأمل في زمنٍ تكاد تنهار فيه مقومات الحياة تحت وطأة الأزمات.
مسيرته ليست سردًا لمواقف كريمة فحسب، بل سجلٌّ حافلٌ بمشاريع تنموية استراتيجية، حوّلها من فكرةٍ إلى واقعٍ يُغيّر حياة الناس. فمن حفر الآبار الارتوازية لإنهاء معاناة القرى العطشى، إلى تبني مشاريع الطاقة الشمسية التي تضيء المنازل في ظل انهيار الكهرباء الوطني، كان همه أن يبني حلولًا مستدامةً تُحرر المجتمع من ربقة الحاجة.
اليوم، وبينما تُنسج حكايات الأزمات في لبنان، يبقى الشيخ نزار أبو جابر شاهدًا على أن الإرادة الإنسانية قادرةٌ على صناعة المعجزات، وأن الكرم ليس مجرد عادة، بل ثورةٌ ضد اليأس.
مع تقدم السنوات، توسعت دائرة عطائه لتشمل مشاريعًا بنيويةً تجاوزت حدود الطائفة، فعلى الرغم من ارتباطه الوثيق بدعم طائفة الموحدين الدروز، إلا أنه آمن بأن الأزمات لا تعرف هويةً دينية أو انتماءً جغرافيًا.
هكذا، تحولت مسيرة الشيخ نزار من مساعداتٍ فردية إلى إرثٍ إنساني، يثبت أن الانتماء إلى الأرض لا يكون بالكلام، بل بالفعل الذي يخترق الزمن.
إنجازات خالدة
بئر شانيه: إنهاء معاناة 80 عامًا
في عام 2024، تحوَّل حلم أهالي بلدة شانيه اللبنانية إلى واقعٍ ملموس بفضل تبرع الشيخ نزار أبو جابر السخي لإنشاء (بئر ارتوازي)، أنهى معاناة استمرت ثمانية عقود من شح المياه. لم يكن المشروع مجرد حفرٍ عادي، بل نظامًا متكاملًا يتضمن مضخاتٍ ذكية تعمل بالطاقة الشمسية. شارك الشيخ نزار شخصيًا في حفل التدشين، وقصَّ الشريط وسط هتافات الأهالي، قائلاً: “الماء حقٌ أساسي، وواجبنا ألّا نترك إنسانًا يعطش”.
بئر العبادية: عهدٌ جديد بالكرامة
تبرع الشيخ نزار أبو جابر لبلدة العبادية (مسقط رأسه) بمشروع بئر ارتوازي متكامل، كـ (نموذجٍ للعطاء الاستراتيجي) الذي يجمع بين الإنسانية والرؤية التنموية. شمل المشروع – بتكلفةٍ تجاوزت 300 ألف دولار – إنشاء بئرٍ ذكي يعمل عبر مولد كهربائي متواصل التشغيل لضمان تدفق المياه رغم انهيار الشبكة الوطنية، معززًا بخزانات ضخمة سعتها 100 ألف لتر مقاومة للتبخر، وفلاتر تنقية متطورة تُطابق معايير منظمة الصحة العالمية.
بلغت التكاليف التشغيلية الشهرية 8 آلاف دولار، ليكون المشروع شريان حياةٍ، محققًا نقلةً نوعيةً في جودة الحياة اليومية، إلى تحرير مدخرات الأهالي التي كانت تُصرف على شراء المياه. خلال حفل التدشين، أكد الشيخ نزار أن هذا الإنجاز: “ليس مجرد بئر، بل وعدٌ لأجيال العبادية بالعيش بكرامة”.
إنجازات الشيخ نزار بو جابر في بلدة العبادية
في زمنٍ تتعالى فيه التحديات وتشتدّ فيه الأزمات، يبرز الشيخ نزار أبو جابر كرمزٍ للكرم والعطاء، يُجسّد بأفعاله النبيلة روح التضامن والتكافل الاجتماعي. من بلدة العبادية في قضاء بعبدا، انطلقت مسيرته الحافلة بالمبادرات الإنسانية التي تركت بصماتٍ واضحة في حياة العديد من أبناء منطقته والمناطق المجاورة.
دعم القطاع الصحي
* سيارة إسعاف حديثة: قدّم الشيخ نزار أول سيارة إسعاف مجهزة بالكامل لمنطقتي العبادية وشويت، مسجّلة في الصليب الأحمر اللبناني.
* دعم المستوصف المحلي: ساهم في تغطية النفقات التشغيلية للمستوصف، مما ساعد في استمرارية تقديم الخدمات الصحية للمواطنين.
تحسين البنية التحتية
* مولد كهربائي وقاعة متعددة الاستخدامات: أمّن مولدًا كهربائيًا كبيرًا مع توفير المازوت لمدة سنتين، بالإضافة إلى تجهيز قاعة لخدمة أبناء البلدة.
* مشاريع في بلدة الهلالية: شملت حفر بئر مياه بعد انقطاع دام منذ عام 1958، إنشاء خزان مياه، تسليم شبكة المياه كاملة، ودعم مشاريع الصرف الصحي.
دعم الزراعة والتمكين الاقتصادي
* الجمعية الزراعية وبيت المونة: تولى رئاسة الجمعية منذ حوالي 6 سنوات، حيث قدّم 110 أطنان من السماد للمزارعين مجانًا، وأنشأ بيت المونة وجهّزه ببردات وفريزرات بتكلفة 123,000 دولار، مع تكفله برواتب الموظفين والمصاريف الشهرية.
* تمكين النساء: دعم النساء في مجال التصنيع الغذائي، مما ساهم في تعزيز دورهن الاقتصادي والاجتماعي.
شركة أبو جابر لاكتو فود، رمز العطاء والتنمية
في قلب العطاء والابتكار، ينبض مشروعٌ تجاريٌ متألق يُعرف باسم “شركة أبو جابر لاكتو فود”، التي أسسها الشيخ نزار أبو جابر ليكون لها صدىً ورمزًا للأمل والتنمية في المنطقة وعلى صعيد لبنان.
تُعدُّ هذه الشركة بمثابة نبضٍ اقتصاديٍ ينبثق من إيمان الشيخ بأن كل إنسان يستحق أن يعيش حياةً كريمة ومستقرة؛ فهي ليست مجرد كيان تجاري، بل هي مشروع اجتماعي يساهم في رسم ملامح مستقبلٍ مشرق للمنطقة. فمن خلال عملياتها اليومية في تصنيع منتجات الألبان والمشتقات الغذائية التي تُقدم جودةً عالية وذات معايير عالمية، وفّرت “لاكتو فود” فرص عمل مباشرة لأكثر من 100 عائلة، مما ساهم في تحويل أحلام الكفاح إلى واقع ملموس، وإشاعة روح الاعتماد على الذات في المجتمع المحلي، إذ باتت قلوب الأسر تنبض بالأمل وتتحرر من قيود المعاناة.
التكريمات والاعتراف المجتمعي
حظي الشيخ نزار بتكريمٍ كبير من قبل بلدة شانيه، حيث نُصبَت لوحة تذكارية باسمه، كما أشاد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الدكتور سامي أبو المنى، بدوره قائلًا: “بورك الشيخ نزار لما يقدمه من أعمال خيرة تترك أثرًا طيبًا وأجرًا عند الله”.
لم يقتصر التقدير على منطقة شانيه فحسب، بل امتدّ تأثير الشيخ أبو جابر إلى أرجاء جبل لبنان بأكمله، حيث أصبح بمثابة شعاع أمل ونموذجًا يُحتذى به في العمل الخيري. في كل ركن من أركان هذه الجبال الشامخة، تُروى قصص إنسانيته وعطاءه الذي لا ينضب، إذ تحولت مبادراته إلى جسرٍ يربط بين أحلام الناس وطموحاتهم في مستقبلٍ أفضل. لم يكن عمله مجرد مساعٍ مؤقتة، بل رحلة مستمرة من العطاء والانتماء، تُثبت أن الخير قادر على تغيير الواقع وإحياء الأمل في زمنٍ يبدو فيه اليأس ناقص القوة. بهذا الإرث الخالد، يصبح أبو جابر رمزًا للإيمان بأن العطاء الحقيقي لا يعترف بالحدود، وأن العمل الخيري المستدام هو السبيل لبناء مجتمع يسوده الترابط والرفاهية.
إرثٌ يُحتذى به
الشيخ نزار أبو جابر ليس مجرد رجل كرمٍ عابر، بل هو رمزٌ للقيادة الاجتماعية التي تعمل بصمتٍ متفانية لتغيير واقعٍ يموج بالتحديات. فقد خطَّ في مسيرته الإنسانية دربًا من الأمل والعطاء، حيث تُعدُّ كل مبادرةٍ من مشاريعه شهادة حية على أن الإرادة القوية تكسر قيود اليأس وتفتح آفاق المستقبل.
إن إرثه الذي تركه خلفه ليس مجرد بصمة عابرة، بل هو دعوة مستمرة لكل من يراها أن يعمل من أجل تغيير الواقع، وأن يحول معاناته إلى قصة نجاح تُروى للأجيال. هو مثال حيٌّ على أن الكرم والعمل الجماعي يمكن أن يصنعا الفارق، وأن الإرادة والروح الإنسانية لا تعرفان حدوداً.